فصل: قال الأخفش:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال بيان الحق الغزنوي:

سورة التحريم:
{لم تحرم} [1] أصاب النبي عليه السلام من مارية في بيت حفصة وقد خرجت لزيارة أبيها، فلما علمت عتبت، فقال: «حرمتها علي». ويقال: إنه كان في يوم عائشة، وكانت وحفصة متصافيتين، فأخبرت عائشة-وكان قال: «لا تخبري عائشة، فقد حرمتها علي»- فطلق حفصة، واعتزل سائر نسائه شهرا، فنزلت هذه الآية، فراجع حفصة، واستحل مارية، وعاد إلى نسائه.
{عرف بعضه وأعرض عن بعض} [3]
أعلمها بعض الأمر أنه وقف عليه، وأعرض عن بعض حياء وإبقاء. وعرف بالتخفيف، معناه عند الفرداء: جازة عليه، وغضب منه، كقولك لمن تهدده: عرفت ما عملت، ولأعرفنك ما عملت، أي: لأجازينك عليه. {قوا أنفسكم} [6] يقال ق، وقيا، وقوا، وقي للمرأة، وقيا، وقين، فإن جئت بالنون الثقيلة للتوكيد، قلت: قين يا رجل وقيان وقن، وقن يا امرأة، وقيان وقينان يا نسوة. {توبة نصوحا} [8] كل فعول إذا كان بمعنى الفاعل استوى فيه المذكر والمؤنث، فمعنى {توبة نصوحا}: توبة ناصحة صادقة، وهي التي لا يهم معها الفتى بمعاودة المعصية.
وقيل: هي التي يناصح المرء فيها نفسه، فيعلم بعدها ما لها وما عليها. {جاهد الكفار} [9] أي: بالقتل. {والمنافقين} بالقول الغليظ، والوعظ البليغ. وقيل: بإقامة الحدود، فكانوا أكثر الناس مواقعة للكبائر.
تمت سورة التحريم. اهـ.

.قال الأخفش:

سورة التحريم:
{إِن تتُوبآ إِلى الله فقدْ صغتْ قُلُوبُكُما وإِن تظاهرا عليْهِ فإِنّ الله هُو موْلاهُ وجِبْرِيلُ وصالِحُ الْمُؤْمِنِين والْملائِكةُ بعْد ذلِك ظهِيرٌ}
قال: {إِن تتُوبآ إِلى الله فقدْ صغتْ قُلُوبُكُما} فجعله جماعة لأنهما اثنان من اثنين.
{ومرْيم ابْنت عِمْران الّتِي أحْصنتْ فرْجها فنفخْنا فِيهِ مِن رُّوحِنا وصدّقتْ بِكلِماتِ ربِّها وكُتُبِهِ وكانتْ مِن الْقانِتِين} وقال: {ومرْيم ابْنة عِمْران} و{امْرأة فِرْعوْن} [11] على: {وضرب الله امْرأة فِرْعون ومرْيم مثلا}. اهـ.

.قال ابن قتيبة:

سورة التحريم مدنية كلها.
2- {قدْ فرض الله لكُمْ تحِلّة أيْمانِكُمْ}، أي أوجب لكم الكفارة.
4- {فقدْ صغتْ قُلُوبُكُما} أي عدلت ومالت.
{وإِنْ تظاهرا عليْهِ} أي تتعاونا عليه، {فإِنّ الله هُو موْلاهُ}، أي وليّه.
5- {قانِتاتٍ}: مطيعات.
{سائِحاتٍ}: صائمات.
ويرى أهل النظر أنه إنما سمي الصائم سائحا: تشبيها بالسائح الذي لا زاد معه.
وقال الفراء: تقول العرب للفرس- إذا كان قائما لا علف بين يديه-: صائم، وذلك: ان له قوتين غدوة وعشية، فشبّه به صيام الآدميّ بتسحره وإفطاره.
6- قوله: {قُوا أنْفُسكُمْ وأهْلِيكُمْ نارا} أي قوا أنفسكم النار: بطاعة الله ورسوله، وقوا أهليكم النار: بتعليمهم وأخذهم بما ينجيهم منها.
8- {توْبة نصُوحا} أي تنصحون فيها لله، ولا تدهنون.
12- {وكانتْ مِن الْقانِتِين}: المطيعين لله عز وجل. اهـ.

.قال الغزنوي:

سورة التحريم:
1 {لِم تُحرِّمُ}: أصاب النّبيّ- عليه السلام- من مارية في بيت حفصة وقد خرجت إلى أبيها، فلمّا علمت عتبت، فقال: «حرّمتها عليّ».
وقيل: إنه كان في يوم عائشة وكانت وحفصة متصافيتين فأخبرت عائشة، وكان قال لها: لا تخبريها، فطلّق حفصة، واعتزل النساء شهرا وحرّم مارية.
وقيل: حرّم شراب عسل كان يشربه عند زينب بنت جحش، فأنكرت ذلك عائشة وحفصة وقالتا: إنا نشمّ منك ريح المغافير- وهي بقلة متغيرة- فحرّم ذلك الشّراب.
3 {عرّف بعْضهُ وأعْرض عنْ بعْضٍ}: أعلمها بعض الأمر أنه وقف عليه.
{وأعْرض عنْ بعْضٍ}: حياء وإبقاء. و{عرف} بالتخفيف: جازى عليه وغضب منه، كقولك لمن تهدده: عرفت ما عملت ولأعرفنّك ما فعلت، أي: أجازيك.
وقيل: لمّا حرّم مارية أخبر حفصة أنّه يملك من بعده أبو بكر وعمر، فعرّفها بعض ما أفشت، {وأعْرض عنْ بعْضٍ}: عن خلافتهما.
5 {قانِتاتٍ}: دائمات على الطاعة.
{سائِحاتٍ}: ماضيات فيها. وقيل: صائمات، لأنّ السّائح لا مأوى له ولا زاد، وإنّما يأكل ما وجد إذا آواه الليل، كالصّائم يأكل ما وجد إذا أدركه الليل.
6 {قُوا أنْفُسكُمْ} يقال: ق، وقيا، وقوا، وقى، وقيا، وقين، وبالنون الثقيلة قينّ يا رجل.
8 {توْبة نصُوحا} كلّ (فعول) بمعنى الفاعل يستوي فيه المذكّر، والمؤنث، ف (توبة نصوح): ناصحة صادقة لا يهمّ معها بالمعاودة.
وقيل: هي التي يناصح المرء فيها نفسه فيعلم بعدها مالها وما عليها.
9 {جاهِدِ الْكُفّار}: بالسّيف، {والْمُنافِقِين}: بالقول الغليظ والوعظ البليغ.
وقيل: بإقامة الحدود، وكانوا أكثر الناس مواقعة للكبائر.
10 {فخانتاهُما}: امرأة نوح كانت تقول: إنه مجنون، وامرأة لوط كانت تدل على الضّيف.
12 {فنفخْنا فِيهِ} نفخ جبريل في جيبها بأمر الله.

.قال ملا حويش:

تفسير سورة التحريم:
عدد 21- 107 و66.
نزلت بالمدينة بعد الحجرات.
وهي اثنتا عشرة آية.
ومائتان وسبع وأربعون كلمة.
وألف وستون حرفا.
لا ناسخ ولا منسوخ فيها.
ومثلها في عدد الآي سورة الطّلاق.
وتقدم بيان السّور المبدوءة بما بدئت بها في سورة الأحزاب.
ولا يوجد سورة مختومة بما ختمت به.
بِسْمِ الله الرّحْمنِ الرّحِيمِ
قال تعالى: {يا أيُّها النّبِيُّ لِم تُحرِّمُ ما أحلّ الله لك} من النّساء {تبْتغِي} بذلك التحريم {مرْضات أزْواجِك والله غفُورٌ} لما وقع منك في ذلك {رحِيمٌ (1)} بك يحل لك ما تحرم على نفسك.

.مطلب في إثبات قصة التحريم وتفنيد الرّوايات فيها لأن الله تعالى لم يبين ما هو الذي سرّه الرّسول صلى الله عليه وسلم لزوجاته:

روى البخاري ومسلم عن عائشة أن النّبي صلى الله عليه وسلم كان يمكث عند زينب بنت جحش فيشرب عندها عسلا قالت فتواطأت أنا وحفصة إن أتانا ودخل علينا النّبي صلى الله عليه وسلم أن نقول هل إنا نجد منك ريح مغافير، فدخل على إحداهما فقالت له أكلت مغافير- هو صمغ حلو له رائحة كريهة ينضجه شجر المعرفط وهو نبات له ورق عريض يفرش على الأرض له شوكة وثمرة خبيثة الرّائحة- فقال «بل شربت عسلا عند زينب بنت جحش ولن أعود إليه» وفي رواية «قد حلفت فلا تخبري بذلك أحدا» فنزلت هذه الآية.
وما قيل من أن هذه الآية في قضية مارية حينما واقعها حضرة الرسول في بيت حفصة أو في بيت عائشة المذكورة في الصّحيحين فلم تأت من طريق صحيح، والأخبار فيها متعارضة، لأن رواية ابن عباس في بيت حفصة وما نقله الكشاف أنها في بيت عائشة، وفي رواية أنس التي أخرجها الحاكم والنّسائي لم تعين الأمة ولا البيت، وإنما ذكرا فيها أن عائشة وحفصة لم تزالا برسول الله حتى جعلهما حراما على نفسه.
قال النّووي في شرح مسلم الصحيح أن الآية في قصة العسل لا في قصة مارية.
وقال الخافجي نقلا عنه، الصواب أن شرب العسل كان عند زينب خلافا الحديث المروي في الصّحيحين عن عائشة أيضا بأن العسل شربه عند حفصة وإن عائشة وسودة وصفية تواطأن عليه بذلك، أي اتفقن فيما بينهن على ذلك القول، لأن الخطاب في الآية إلى اثنتين لا إلى ثلاثة.
وقال الطيبي فيما نقله عن الكشاف من أنه صلى الله عليه وسلم خلا بمارية في يوم عائشة وعلمت ذلك حفصة، فقال لها «اكتبي عليّ، وقد حرمت مارية على نفسي، وأبشرك بأن أبا بكر وعمر سيملكان بعدي أمتي».
ما وجدته في الكتب المشهورة فضلا عن تضاربها واختلاف رواتها واضطرابهم بالاسم والزمان والمكان، ولا أراها إلّا موضوعة أو ملفقة فلا عمدة على شيء فيها، ولهذه الأسباب اعتمدنا الرّواية الأولى الثابتة في الصحيحين والتي لا طعن فيها، تأمل قال تعالى: {قدْ فرض الله لكُمْ تحِلّة أيْمانِكُمْ} بأن أوجب عليكم كفارة لتحليل يمينكم.
وإنما جمع الضّمير تضخيما لسيد المخاطبين وإعلاما بأن هذا الحكم ليس له وحده بل لأمنه أيضا {والله موْلاكُمْ} جميعا وناصركم ومغيثكم ومؤيدكم {وهُو الْعلِيمُ} بما يقع منكم {الْحكِيمُ} (2) يحلل ويحرم ويرخص في الأمور وقد يسر عليكم في كفارة الأيمان وسهلها لكم رحمة لكم.
روى البخاري ومسلم عن ابن عباس قال إذا حرم الرجل امرأته فهو يمين يكفرها، وقال: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة}.
وفي رواية إذا حرم امرأته ليس بشيء.
والحكم الشّرعي فيها لو قال أنا عليك حرام ونوى الطّلاق يقع، ولو قال أنا حرام ولم يقل منك وعليك لا يقع، وإن نوى ولو قال لامرأته مرتين أنت علي حرام ونوى بالأول الطّلاق وفي الثانية اليمين فهو على ما نوى.
راجع بحث الكنايات في فتاوى الهندية والبزّازية والخانية والأنقروي وغيرها من كتب الفتاوى والفقه كالدرر والدّر وغيرها.
قال تعالى مبينا القصة التي هي سبب التحريم {وإِذْ أسرّ النّبِيُّ إِلى بعْضِ أزْواجِهِ حديثا} لم يذكره الله ما هو، والمجمع عليه أنه قصة شرب العسل عند زينب وحلفه أو تحريم مارية، أو أمر الخلافة على ما مرّ لك، وقوله لحفصة أنه لا يعود إليه كما أنه تعالى لم يذكر التي أسر إليها إلّا أن أكثر الأخبار تدل على أنها حفصة، ولذلك خصصناها بالذكر والله أعلم {فلمّا نبّأتْ بِهِ} أخبرت حفصة عائشة بالأمر الذي علمته {وأظْهرهُ الله عليْهِ} بان أطلعه على اخبارها واتفاقها مع عائشة على مسألة المغافير المارة، وقد {عرّف بعْضهُ} إلى حفصة بأن قال لها إنك قلت لعائشة كذا وكذا مع اني نهبتك ان تبوئي بما قلته لك من شرب العسل وغيره {وأعْرض عنْ بعْضٍ} وهو قوله إني حلفت فلا تخبري أحدا فلم يقله لها، ولم يؤنبها عليه، إلا أنه غضب من افشائها ما أسره لها، مع أنه أمرها بكتمانه وهمّ بطلاقها، فأتاه جبريل وقال له لا تطلقها فإنها صوامة قوامة، وانها من نسائك في الجنّة.
وهذا وان كان ليس بشيء إلّا أنه بالنسبة لمقام حضرة الرّسول شيء عظيم، كما أن ما يقع منهن لو وقع من الغير لما سمي ذنبا البتة، ولكن الأنبياء يعدونه كبيرا بالنسبة لمقامهم من الله عز وجل، على حد حسنات الأبرار سيئات المقربين.
قال تعالى: {فلمّا نبّأها بِهِ قالتْ منْ أنْبأك هذا} النبأ الذي ذكرته مع أنه لم يطلع عليه أحد إلّا أنا وعائشة {قال نبّأنِي الْعلِيمُ الْخبِيرُ} 3 بكل ما يقع في ملكه، قبل لما بلغ ذلك عمر وظن أن حضرة الرّسول طلقها قال لها لو كان في الخطاب خير لما طلقك رسول الله.
قال تعالى: {إِنْ تتُوبا} على طريق الالتفات وهو أبلغ من المعاتبة، والخطاب لعائشة وحفصة لأنهما اللتان تواطأتا على ذلك كما مر آنفا وترجعا {إِلى الله} عما وقع منكما من الاتفاق والتعاون على أذى حضرة الرّسول وعلى كتمان ما يأمر كنّ بكتمانه، لأنه الواجب عليكما طلبا لرضائه، لأن الله تعالى يغفر لكما ما بدر منكما، لأن ما تواطأتما به عليه {فقدْ صغتْ قُلُوبُكُما} به أي زاغت ومالت هما هو الواجب عليكما من الإخلاص لحضرته بأن تحبا ما يحبه وتكرها ما يكرهه، وامتثال أمره مهما كان، وقد وجد منكما ما يوجب التوبة وهو ميل قلوبكما عن الامتثال لما أراده منكما لأن ذلك مخالفة لحضرته تستوجب العقوبة، وهي إثم تجب التوبة منه عليكما، لأن طاعته واجبة، ثم هددهما بقوله: {وإِنْ تظاهرا عليْهِ} وتتعاونا بما يسوءه قولا وفعلا {فإِنّ الله هُو موْلاهُ} وحافظه من كيدكن وناصره عليكما وعلى كلّ من يناوئه {وجِبْرِيلُ} وليه أيضا {وصالِحُ الْمُؤْمِنِين} أوليائه وفي طليعتهم أبواكما ينصرانه عليكما {والْملائِكةُ بعْد ذلِك} النصر والتولي من الله وجبريل وكلّ مخلص من المؤمنين والملائكة الكرام {ظهِيرٌ} (4) له على كلّ من يناوئه فما يغني تظاهركما عليه.
واعلمن أيها النّساء كلكن إذا أصررتن على ما أنتنّ عليه فمصيركن الهلاك فبادرون بالندم وأسرعن بالتوبة مما وقع منكن واسترضينه، فإذا رضي عنكما فلعل ربّه أن يقبل توبتكما وإذا أصررتما فما تدريان {عسى ربُّهُ إِنْ طلّقكُنّ أنْ يُبْدِلهُ أزْواجا خيْرا مِنْكُنّ} لأن تصييركن بوجودكن عنده وفضلكن بما نلتنه من قربه، فإذا طلقكن زالت منكن تلك الصّفات ولم يبق لكن فضل على غيركن.
ثم وصف النّساء اللاتي يبدلهن بهن بأنهن {مُسْلِماتٍ مُؤْمِناتٍ قانِتاتٍ تائِباتٍ عابِداتٍ سائِحاتٍ} مهاجرات وقيل صائمات لأن السّائح لا زاد له فشبه بالصائم {ثيِّباتٍ وأبْكارا} (5) وهذا من باب الإخبار عن القدرة لا عن الكون، لأنه قال إن طلقكن وقد علم أنه أنه لا يطلقهن، فأخبر عن قدرته بأنه إذا طلقهن أبدله خيرا منهن تخويفا لهن.